غدر المرأة
أنا مخلصة بطبيعتي لكن الرجل عندما لا يجد فرصة للخيانة يصبح مخلصا.
احببت ان اوضح ان المرأة ايضاً تخون مثلها مثل الرجل ...وهذا كان ربما اطراء زائد ...وربما لا ...ولكن قبل ان تتضايق النساء ...اقرؤا معي هذه القصة ...
يحكى أن حكيما من حكماء اليونان كان يحب زوجته حباً ملك عليه عقله وقلبه وأحاط به إحاطة الشعاع بالمصباح المتقد ....
ولكنه كان يخاف أشد الخوف من أن تدور الأيام دورتها ، فيموت ويفلت من يده ذلك القلب الذي كان مغتبطاً باعتلاقه إلى صائد آخر يعتلقه من بعده ...
وكان كلما باح إلى زوجته بسره ، وشكا إليها ما يساور قلبه من ذلك الهم ، حنت عليه ، وعللته بمعسول الأماني وأقسمت له بكل محرجة من الإيمان أنها لا تسترد هبة قلبها منه حياً وميتاً ... فكان يسكن إلى ذلك الوعد سكون الجرح الزرد تحت الماء البارد ( ما حدا يسألنا شو يعني هذا التعبير )
ثم لا يلبث أن يعود إلى هواجسه ووساوسه ، حتى مر في بعض روحاته إلى منزله في أحدى الليالي المقمرة بمقبرة المدينة ، فبدا له أن يدخلها ليروح عن نفسه هموم الموت بوقفة بين قبور الموتى ، وكثيراً ما يتداوى شارب الخمر بالخمر ، ويلذ الجبان وهو يرتعد خوفاً الاصغاء على حديث المردة والجن ...
فرأى في بعض مذاهبه بين تلك القبور امرأة متسلبة جالسة أمام قبر جديد لم يجف ترابه وبيدها مروحة من الحرير الأبيض مطرزة بأسلاك الذهب ، تحركها يمنة ويسرة لتجفف بها بلل ذلك التراب ..فعجب لشأنها وتقدم نحوها فارتاعت لمرآه ثم أنست به حينما عرفته ....
فسألها ما شأنها .. وما مقامها هنا ؟؟ ومن هذا الدفين ؟؟
فأبت أن تجيبه عما سأل حتى تفرغ من شأنها ..فجلس إليها وتناول المروحة منها ، وظل يساعدها في عملها حتى جف التراب ، فحدثته أن هذا الدفين زوجها ، وأنه مات منذ ثلاثة أيام ، وأنها جالسة منذ الصباح مجلسها هذا لتجفف تراب قبره ، وفاء بيمين كانت قد اقسمته في مرض موته ألا تتزوج من غيره حتى يجف تراب قبره ، وأن هذه الليلة هي ليلة بنائها بزوجها الثاني فأبى لها وفاؤها الدفين ( يا عيني ) الذي كان يحبها ويحسن إليها أن تحنث بيمين أقسمتها له ، أو تعود عما عاهدته عليه ، ثم قالت له : هل لك يا سيدي أن تقبل هذه المروحة هدية مني إليك ، وجزاء لك على حسن صنيعك ؟
فتقبلها منها شاكراً بعد أن هنأها بزواجها الجديد ، ثم انصرف وليس وراء ما به من الهم غاية ، ومشى في طريقه يحدث نفسه ويقول :إنه أحبها وأحسن إليها ، فلما مات جلست فوق قبره لا لتبكيه ..ولا لتذكر عهده ، بل لتتحلل من يمين الوفاء التي اقسمتها له ...
ومازال يحدث نفسه بمثل هذا الحديث حتى رأى نفسه في منزله من حيث لا يشعر ، ورأى زوجته ماثلة أمامه مرتاعة لمنظره المؤلم المحزن ...
فقال لها:إن امرأة خائنة غادرة اهدت إلي هذه المروحة فقبلتها منها لأهديها إليك ، لأنها أداة من ادوات الغدر والخيانة وأنت أولى بها مني ، ثم أنشا يقص عليها قصة المرأة حتى أتى عليها ...
فغضبت وانتزعت المروحة من يده ...ومزقتها ارباً ارباً ، وانشأت تسب تلك المرأة وتشتمها ، وتنعي عليها غدرها وخيانتها وسفالتها ودناءتها ثم قالت :الا يزال هذا الوسواس عالقاً بصدرك ما دمت حياً ؟ وهل تحسب أن امرأة في العالم ترضى لنفسها بما رضيت به لنفسها تلك المرأة الغادرة ؟؟؟!!!
فقال لها : إنك أقسمت لي الا تتزوجي من بعدي ، فهل تفين بعهدك ؟
قالت : نعم .. ورماني الله بكل ما يرمي به الغادر إن أنا فعلت ..فاطمأن لقسمها وعاد لهدوئه وسكونه ....
مضى على ذلك عام ثم مرض الرجل مرضاً شديداً ، فعالج نفسه فلم يجد العلاج حتى أشرف على الموت ...
فدعا زوجته ...وذكرها بما عاهدته عليه ..فذكرت ..فما غربت شمس ذلك اليوم حتى غربت شمسه ..فأمرت أن يسجى برداءه وأن يترك وحده في قاعته ..حتى يحتفل بدفنه في اليوم التالي ...ثم خلت بنفسها في غرفتها تبكيه وتندبه ماشاء الله أن تفعل ..وبينما هي تبكيه دخلت عليها الخادمة وأخبرتها أن فتى من تلاميذ مولاها حضر الساعة من بلدته ليعوده حينما سمع بخبر مرضه ...فلما سمع حديث موته ذعر ذعراً شديداً وخر في مكانه صعقاً ، وأنه لا يزال صريعاً عند باب المنزل لا تدري ماذا تصنع بأمره ؟
فأمرتها أن تذهب به إلى غرفة الضيوف وأن تتولى شأنه حتى يستفيق ، ثم عادت إلى بكائها ونحيبها فلما مر الهزيع الثاني من الليل دخلت عليها الخادمة مرة اخرى مذعورة مرتاعة وهو تقول :رحمتك وإحسانك يا سيدتي فإن ضيفنا يعاني من آلامه واوجاعه عذاباً أليماً وقد حرت في أمره ، وما احسبه إن نحن أغفلنا أمره إلا هالكاً...
فأهمها الأمر وقامت تتحامل على نفسها حتى وصلت إلى غرفة الضيف ..فرأته مسجي على سريره والمصباح عند رأسه فاقتربت منه ونظرت في وجهه ، فرأت أبدع سطر خطته يد القدرة الالهية في لوح الوجود ...فخيل إليها إن المصباح الذي أمامها قبس من ذلك النور المتلألي في ذلك الوجه المنير ..وان أنينه المنبعث من صدره نغمة موسيقية محزنة ترن في جوف الليل البهيج ، فأنساها الحزن على المريض المشرف ..الحزن على الفقيد الهالك ، وعاناها أمره فلم تترك وسيلة من وسائل العلاج الا توسلت بها إليه حتى استفاق ونظر إلى طبيبته الراكعة بجانب سريره نظرة الشكر والثناء ...
(الا يزال هذا الوسواس عالقاً بصدرك ما دمت حياً ؟ وهل تحسب أن امرأة في العالم ترضى لنفسها بما رضيت به لنفسها تلك المرأة الغادرة )
ثم أنشا يقص عليها تاريخ حياته ، فعرفت من أمره كل ما كان يهمها أن تعرفه ، فعرفت مسقط رأسه وسيرة حياته وصلته بزوجها ، وأنه فتى غريب في قومه لا أب له ولا أم ، ولا زوجة ولا ولد ...
وهنا اطرقت برأسها ساعة طويلة عالجت فيها من هواجس النفس ونوازعها ما عالجت ، ثم رفعت رأسها وأمسكت بيده ، وقالت له : إنك قد ثكلت استاذك وأنا ثكلت زوجي فأصبح همنا واحد ...فهل لك أن تكون عوناً لي وان اكون عوناً لك على هذا الدهر الذي لم يترك لنا مساعداً أو معيناً ....
(إنك أقسمت لي الا تتزوجي من بعدي ، فهل تفين بعهدك ؟ )
(نعم .. ورماني الله بكل ما يرمي به الغادر إن أنا فعلت )
فألم بخبيئة نفسها ...فابتسم ابتسامة الحزن والمضض ...وقال لها : من لي يا سيدتي ان أظفر بهذه الأمنيه العظمى ، وهذا المرض الذي يساورني ولا يكاد يهدأ عني قد نغص عليا عيشي وأفسد علي شأن حياتي ، وقد أنذرني الطبيب باقتراب ساعة أجلي إن لم تدركني رحمة الله ، فأطلبي سعادتك عند غيري ، فانت من بنات الحياة ، وأنا من أبناء الموت ...
فقالت له : إنك ستعيش ، وسأعالجك ولو كان دواءك بين سحري ونحري !!!
قال لا تصدقي ما لايكون يا سيدتي ، فأنا عالم بدوائي ، وعالم أني لا أجد السبيل إليه ..
قالت :وما دوائك ؟
قال : حدثني طبيبي أن شفائي في أكل دماغ ميت ليومه ، ومادام ذلك يعجزني فلا دواء لي ولا شفاء ...
فارتعد وشحب لونها وأطرقت اطراقة طويلة لا يعلم الا الله ماذا كانت تحدث نفسها فيها ..ثم رفت رأسها وقالت : كن مطمئنا فدوائك لا يعجزني ، ثم أمرته أن يعود إلى راحته وسكونه ، وخرجت من الغرفة متسللة حتى وصلت إلى غرفة سلاح زوجها ..فأخذت منه فأساً قاطعة ، ثم مشت تختلس خطواتها اختلاساً حتى وصلت إلى غرفة الميت ...زوجها ...السابق ...
((الا يزال هذا الوسواس عالقاً بصدرك ما دمت حياً ؟ وهل تحسب أن امرأة في العالم ترضى لنفسها بما رضيت به لنفسها تلك المرأة الغادرة ؟؟؟!!! ))
ففتحت الباب ...فدار على عقبه وصر صريراً مزعجاً .. فجمدت في مكانها رعباً وخوفاً ..ثم دارت بعينيها حولها فلم تر شيئاً ..فتقدمت لشأنها حتى دنت من السرير ورفعت الفأس لتضرب بها رأس زوجها ...
ولم تكد تهوي بالفأس ....حتى رأت الميت فاتحاً عينيه ينظر إليها ...فسقطت الفأس من يدها ..وسمعت حركة وراءها ...فالتفتت ...فرأت الضيف والخادمة واقفين !!!!
يتضاحكان ...ففهمت كل شيء ...
وهنا تقدم زوجها نحوها ...وقال لها : أليست المروحة في يد تلك المرأة أجمل من هذه الفأس في يدك ؟ أليست التي تجفف تراب قبر زوجها بعد دفنه أفضل من التي تكسر دماغه قبل نعيه ؟